الأربعاء، 1 مارس 2017

مقدمة حول منهج الفصحى (2): نحو فصحى دارجة

نحو فصحى دارجة

الحمد لله!! قد أداني تعقب مُقابِلات الفصحى المناسبة لنظائرها العامية إلى تحليل مستويات فصحى التنزيل، واكتشاف ما أسميته بـ «الفصحى الدارجة».

أهمية الفصحى الدارجة

لا بد من اكتشاف الفصحى الدارجة لعصر التنزيل، والتنقيب عنها في ثنايا تراثنا اللغوي، وتكميلها باحتذاء ما ظفرنا به منها، بأن ننتج على منواله ما يعبر عن الأغراض التي استحدثت في زماننا، لتكون لدينا فصحى دارجة يسهل استخدامها في التعبير العفوي عند انخراطنا في حوارات الحياة اليومية، حيث اللغة السهلة البسيطة التي لا كلفة فيها، نستخدمها في شئون الحياة الشخصية عند مناجاة الأهل، ومداعبة الأطفال، وممازحة الإخوان، وفي شئون الحياة العادية كمخاطبات الزملاء، والبيع والشراء، وفي تعبيرنا الشعوري عند الرضا والغضب والدهشة هلم جرا.

إن الفصحى الجادة ستكون عبئا مرهقا على مستخدمها إذا هو تكلف استخدامها في شريف الحاجات ووضيعها، أجل هناك رجال أفذاذ قد يقتدرون على ذلك _ زعموا _ ولكن الذي لا ريب فيه أن عامة المتعلمين لا يستطيعون ذلك، ونحن ههنا إنما ننتج منهج فصحى للأمة، وليس منهجا لأفذاذ الرجال.

على أن الاقتصار المتعجل على الفصحى الجادة من شأنه أن يفتح الباب واسعا لتغلغل الازدواج اللغوي في المجتمع؛ لأن فصحانا جادة رسمية لا تفي بمتطلبات الإنسان الذي خلق ضعيفا، إن الناس يستطيعون تعلم لغة معبرة عن أغراضهم مساعفة لحاجاتهم، ولكنهم لا يستطيعون تكييف أغراضهم على مقتضى تعبيرات لغةٍ مملاةٍ عليهم، إذ كيف يمكنهم الارتفاع بملاطفاتهم ومنازعاتهم إلى مستوى لغة الخطب والقصائد، لا يستطيعون في مضايق الحاجات اليومية أن يتلبثوا بمنطقهم ريثما يتكلفوا التعبير على منوال لغة رسمية جادة، الأمر الذي يجعلهم يقبلون عليها فيما تفي لهم به من أمورهم الجادة كخطبة الجمعة والمحاضرة العلمية والفتوى الشرعية والدرس الجاد، ويعرضون عنها إلى عاميتهم فيما لم تف لهم هذه الفصحى الجافة به من سائر حاجاتهم في محاوراتهم اليومية العادية، وهذا هو الازدواج اللغوي، وهو المرض الذي نعمل على علاجه بمنهج الفصحى هذا.

إن أهمية هذا المستوى من الفصحى _ الفصحى الدارجة _ هي كونه ضمانة لشمول الفصحى وكفايتها لجوانب الحياة، سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى العام، فالشخص الذي يتقن الفصحى الدارجة يستطيع أن يتكلم الفصحى بداهة وارتجالا، في كافة مواقف حياته العادية والرسمية، وعلى مختلف أحواله النفسية من الاطمئنان أو القلق، ومع ما اتفق له من المتكلمين من الخاصة أو العامة، كل بما يناسبه.
وقد تبين بما أسلفنا أن وجود هذا المستوى _ الفصحى الدارجة _ يفيد أبلغ الفائدة على المستوى العام بإعطائه للحياة العادية بديلا فصيحا مغنيا عن العامية، وحلا ناجعا لمشكلة الازدواج اللغوي.
على أن الأهمية الكبرى لهذا المستوى _ الفصحى الدارجة _ هي في عائدته الجليلة على التعليم، إن التعليم الصحيح للفصحى هو بجعلها لغةً لما نسميه نحن الدرس السلوكي، ويسمونه هم "التواصل الوظيفي" أو "التغطيس"، يعنون أن يتحاور بها وحدها الأولاد مع المعلمين والمعلمات، سواء كان ذلك في موضوع الدرس، أم في أي شأن يعرض من شئون الدراسة، كامتداح ولد لنجابته وحفز آخر لغفلته، أم في أي حاجة من حاجات الحياة كالحاجة إلى الماء أو الخلاء أو فتح النافذة أو إيقاد المصباح، أو في أي حدث يقع كضياع الطلاسة أو انقطاع الكهرباء هلم جرا، دون السماح باستخدام أي لغة أخرى عامية أو غيرها، مما يدفع المتعلم إلى حفز قدراته كلها للتعلم ليستطيع التعبير عن حاجاته، والتفاهم والتفاعل مع أعضاء المجتمع التعليمي.
إن التعليم الناجح للغة يستثمر كل هذه الشئون العارضة والحاجات الجانبية لتمرين المتعلم، فيخوض المعلم غمار الأحاديث فيها ويستدعي طلابه إلى الحوار حولها، كما أن الكلام حول هذه الشئون أكثره ضروري لا يمكن تجاهله، فإما البصر به واللقانة فيه، وإما العي عنه والتسرب إلى العامية، ومن ثم تعوز درسَ اللغة العربية السمةُ العملية، ويفقد شرطَ التعليم الصحيح للغات (التغطيس)، ويصبح مجتمعه _ هو أيضا _ ميدانا للازدواج اللغوي الذي يعاني منه المجتمع الكبير.
ولكن هل هناك فصحى دارجة في لغتنا المعيارية، التي هي لغة عصر التنزيل؟! الجواب: أجل! ما دامت هذه الأغراض التخاطبية البسيطة الموصوفة آنفا موجودة عند البشر جميعا فهي تستدعي لغة دارجة، إذا فإنه لا بد من وجود فصحى دراجةٍ لعصر التنزيل، ولكن يبقى علينا أن نتعرف عليها.

وللتعرف على تفصيل أكبر حول لغة عربية فصيحة للأغراض الدارجة راجع المقال الأصلي: 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقالة مهمة

الفصحى الدارجة .. زيادات وتنقيحات

بسم الله الرحمن الرحيم الفصحى الدارجة .. زيادات وتنقيحات         الحمد لله!! لقد وفقني الله فعنيت بتعقب المُقابِلات الفصيحة للعبارات ...