الثلاثاء، 21 فبراير 2017

كلم أولادك بالفصحى (ماما زمانها جيا)

إذا كنت ترجو لطفلك أن يلامس أمر الله ورسوله شغاف قلبه على نحو ما كان يلامس شغاف قلوب الصحابة رضي الله عنهم، وأن يفهم الوحي ببراعة كبراعة الإمام الشافعي رحمه الله؛ فعليك أن تحدث ولدك بالفصحى، فصحى عصر التنزيل.
وإن من أصعب ما أنت ملاق في تحديث أبنائك بالفصحى هو ترجمة الجمل المسكوكة، والعبارات الوظيفية، وسائر النصوص الاصطلاحية من عاميتك إلى نظيرها من الفصحى.
الأمر الذي قد يجعلك تستعيض عنها: إما بالترجمة الحرفية بما يجعلها تشبه الشرح المعجمي الجاف؛ كمن استبدل الأغنية العامية "مَامَا زَمَانْهَا جَيَّا" بالفصحى: "أمك لعلها تأتي بعد قليل"!! لكنك لا تجد طلاوة العبارة الأصلية في هذه الترجمة.
وكذلك مثلا: "إِيي رَأْيَكْ فِي الْفِطَارْ النَّهَارْدَا؟" فيقابلونها بـ "ما رأيك في الإفطار اليوم؟". لكنك لا تجد هنا العبارة الوظيفية لعصر التنزيل، والتي كانوا يستفهمون بها عن الرأي (ستأتي إن شاء الله).
وإما بأن تخلي كلامك تماما من النصوص المسكوكة مما يفقد حديثك يسره وعذوبته، وقد أحصيت مواضع من ذلك على رجل يعدّ علما من أعلام اللغة والأدب، كيف لا وهو أديب روائي وعضو من أعضاء مجمع اللغة، ألا وهو "محمود تيمور" وذلك في ترجمته لرواياته العامية إلى الفصحى، وقد كان عجيبا أن الرجل يبدو كما لو كان لا يدرك كنه كلام الشخص الذي يترجم له، مع أنه كان يترجم عامية نفسه إلى فصحاها! مثلا قال بالعامية في ص 108من رواية "المخبأ رقم 13": (مِشْ كُنْتِ تِحْمِي عَمَّكِ الشِّيخْ؟ إِخْصْ عَلِيكْ)، وترجمها بكل تساهل مخل في ص 24: (لماذا لم تدفع عن عمك الشيخ؟)!! أين "إِخْصْ عَلِيكْ"؟؟
وعلى كلٍّ فالواجب عند ترجمة النصوص الاصطلاحية أن نستحضر -ما استطعنا- المقابل الفصيح الذي يؤدي في لغة عصر التنزيل الوظيفة اللغوية المقابلة أو المقاربة لتلك التي يؤديها النص العامي، ولأن ذلك لا يتأتى على هذا النحو المثالي دائما فلنكن واقعيين ولنقل: إن ذلك يكون على مدرجتين:
1- إما بذكر المقابل الفصيح الذي كان يستخدم في عصر التنزيل ليؤدي في الخطاب الوظيفة التي يؤديها النص العامي، مثلا:
"إِخْصْ عَلِيكْ" تقابل بـ "ويحك".
"إِيي رَأْيَكْ فِي الْفِطَارْ النَّهَارْدَا؟" تقابل بـ "كيف تقول في الغداء اليوم؟" فإنهم هكذا كانوا يقولون "كيف تقول في ...؟" .
2- ترجمة النص الاصطلاحي -عند فقد المقابل الفصيح- إلى ما يؤدي معناه، مع شرط مهم وهو: إصلاح اللفظ، وتهذيب الجرس الكلي للنص بما يجعله ذا طلاوة ووجازة تناسب روح النصوص المسكوكة.
مثلا: "أَبُو بَلَاشْ كَتَّرْ مِنُّو!" تقابل بـ "إِنْ كَانَ بِالْمَجَّانِ([1])، فَأَتْرِعِ الْجِفَانْ!"
وكذلك إنشادهم لطفل المهد: مَامَا زَمَنْهَا جَيَّا ... إلخ، قل لطفلك بدلا من ذلك:
أُمِّي أُمِّي! تَعَالَيْ لِي!!


***

تَعَالَيْ لِي!! أَيَا أُمِّي!!

أُمِّي أُمِّي! أَنَا أَبْكِي!!


***

لِكَيْ تَأْتِي!! فَلَمْ تَأْتِي!!

أُمِّي أُمِّي! تَأَخَّرْتِي!!


***

فَهَلْ أَبْقَى!! كَذَا وَحْدِي!!
أُمِّي أُمِّي! عَسَاكِ الْآ


***

نَ أَنْ تَأْتِي!! أَيَا أُمِّي!!

عَسَاكِ الْآنَ أَنْ تَأْتِي!!


***

عَسَاكِ الْآنَ أَنْ تَأْتِي!!




([1])   قال في: مقاييس اللغة (5/ 299): الْمَجَّانُ، هُوَ عَطِيَّةُ الرَّجُلِ شَيْئًا بِلَا ثَمَنٍ. انتهى.

هناك تعليق واحد:

  1. استدراك:
    السؤال عن الرأي بـ "ما رأيك؟" هو أيضا مستعمل في عصر التنزيل؛ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» صحيح البخاري (6447).
    وأخطأت في الحصر الأول فليعلم.

    ردحذف

مقالة مهمة

الفصحى الدارجة .. زيادات وتنقيحات

بسم الله الرحمن الرحيم الفصحى الدارجة .. زيادات وتنقيحات         الحمد لله!! لقد وفقني الله فعنيت بتعقب المُقابِلات الفصيحة للعبارات ...